الفكر
الإسلامي
إجماع
الأمة على عدالة الصحابة رضي الله عنهم
بقلم: نور عالم خليل الأميني
أجمعت الأمة الإسلامية فيما يتعلق بأصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم على هذه العقيدة التي يؤكدها الكتاب والسنة وآثار الصحابة وأقوال
التابعين والعلماء والمحدثين والأئمة والمجتهدين والتي ألقينا عليها ضوءًا في
الصفحات الماضية، وعنوان هذا الاجماع في كتب العقائد ودواوين الأحاديث هو «الصحابة
كلهم عدول»(1).
مفهوم
العدالة:
1 –
العدالة لغة:
قال
ابن منظور: «العدل من الناس: المرضي قوله وحكمه، ورجل عدل: رضا مقنع في الشهادة»(2).
وفي هذا المعنى جاء استعمال كلمة «العدل» في
القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾(3)
وفي قوله تعالى ﴿مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾(4).
قال
القرطبي في تفسير الآية: يعني من العدل المرضي دينهم وصلاحهم(5).
رضي
هذا التفسيرَ البخاريُّ إذ قال في ترجمة باب الشهادات في صحيحه: «باب الشهداء
العدول، وقول الله تعالى: ﴿وأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ و ﴿مِمَّنْ
تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾.
وقال
مجاهد (المتوفى 105هـ): مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ: عدلان حران مسلمان(6).
وقد
نقل الأستاذ مصطفى الأعظمي أقوالاً لسيدنا عمر رضي الله عنه وسيدنا ابن عباس رضي
الله عنهما وشريح المتوفي 85هـ يستشف أو يتأكد منها هذا المعنى لكلمة «العدل»(7).
2 –
العدالة اصطلاحاً:
*
أولاً: في استعمال علماء أصول الفقه:
قال
الإمام الغزالي (م505هـ): «العدالة عبارة عن استقامة السيرة والدين، ويرجع حاصلها
إلى هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعاً، حتى تحصل ثقة
النفوس بصدقه فلا ثقة بقول من لايخاف الله تعالى خوفاً وازعاً عن الكذب. ثم لاخلاف
في أنه لايشترطال عصمة من جميع المعاصي، ولا يكفى أيضاً اجتناب الكبائر، بل من
الصغائر ما يرد به كسرقة بصلة وتطفيف في حبة قصداً»(8).
ومثل
ذلك قال الرازي (المتوفي 606هـ) في المحصول(9)، وابن النجار(10).
*
ثانياً في استعمال المحدثين:
قال
علماء مصطلح الحديث في تعريف العدل: «أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً سليماً من
أسباب الفسق وخوارم المروءة»(11).
وقال السرخسي –
محمد بن أحمد بن أبي سهل، شمس الأئمة –
المتوفى 490هـ: إن العدل مطلقاً من يترجح أمر دينه على هواه، ويكون ممتنعاً بقوة
الدين عما يعتقد الحرمة فيه من الشهوات.. إن من ارتكب كبيرة فإنه لايكون عدلاً في
الشهادة، وفيما دون الكبيرة من المعاصي، وإن أصر على ارتكاب شيء لم يكن مقبول
الشهادة»(12).
وقال
ابن عابدين الشامي (المتوفي 1252هـ): العدل من يجتنب الكبائر كلها، حتى لو ارتكب
كبيرة تسقط عدالته، وفي الصغائر العبرة بالغلبة أو الإصرار على الصغيرة، فتصير
كبيرة، ولذا قال: (غلب صوابه) أو، قوله: (سقطت عدالته) وتعود إذا تاب.. إلخ»(13).
الصحابة كلهم عدول
عند أهل السنة والجماعة:
ومهما
يكن من أمر فإن جمهور الأمة الإسلامية يجمعون على أن الصحابة رضي الله عنهم عدول
مرضيون ولا تجري في شأنهم عملية الجرح والمناقشة، وأنهم فوق الكلام وبساطهم مطوي
في هذا الخصوص.
*
يقول الحافظ الذهبي (م748هـ): «فأما الصحابة رضي الله عنهم، فبساطهم مطوي وإن جرى
ما جرى، إذ على عدالتهم وقبول ما نقلوه العمل، وبه ندين الله تعالى(14).
*
وقال الحافظ ابن كثير (م774هـ): «والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة».
ثم
قال: «وقول المعتزلة: الصحابة عدول إلا من قاتل علياً، قول باطل مردود».
وأضاف:
«وأما طوائف الرفض وجهلهم، وقلة عقلهم، ودعاويهم أن الصحابة كفروا إلا سبعة عشر
صحابياً –
وسموهم –
فهو من الهذيان بلا دليل»(15).
وذلك لأن الله عز وجل بنفسه قد عدَّلهم
وزكّاهم؛ فلا حاجة إلى تزكية وتعديل أحد من الناس، ومن أصدق من الله حديثاً، وقد سردنا
عدداً من آيات القرآن الكريم التي اشتملت على تعديل الصحابة وتزكيتهم ومدحهم
والثناء عليهم، وكذلك عدَّلهم وزكّاهم وأجزل الثناء عليهم نبيُّهم صلوات الله
وسلامه عليه، وقد سقنا في الصفحات الماضية أحاديث عديدة في هذا المعنى.
*
يقول ابن الصلاح (م643هـ): «للصحابة بأسرهم خصيصة، وهي أنه لايسأل عن عدالة أحد
منهم، بل ذلك أمر مفروغ عنه، لكونهم على الإطلاق معدولين بنصوص الكتاب والسنة
وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة، قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ
أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ قيل: اتفق المفسرون على أنه وارد في أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم (16).
وسرد
الإمام ابن الصلاح عددًا من الآيات القرآنية والأحاديث التبوية الشريفة الواردة في
هذا الباب كما سردناها في الصفحات السابقة.
*
يقول ابن عبد البر (م 463هـ) أعلم محدثي زمانه في أسماء الصحابة وأحوالهم: «فهم
خير القرون وخير أمة أخرجت للناس، ثبتت عدالة جمعيهم بثناء الله عز وجل عليهم
وثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه صلى
الله عليه وسلم رنصرته، ولا تزكية أفضل من ذلك، ولا تعديل أكمل منها، قال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ
رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِيْنَ مَعَهُ...﴾ (17).
*
ويقول العلامة كمال الدين محمد بن الهمام (م861هـ): «واعتقاد أهل السنة والجماعة
تزكية جميع الصحابة وجوباً بإثبات العدالة لكل منهم، والكف عن الطعن فيهم، والثناء
عليهم كما أثنى الله سبحانه وتعالى عليهم»(18).
*
ويقول الخطيب البغدادي (م463هـ)
«والأخبار
في هذا المعنى تتسع، ولكنها مطابقة لما ورد في نص القرآن، وجميع ذلك يقتضي طهارة
الصحابة والقطع على تعديلهم ونزاهتهم فلا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالى لهم
المطلع على بواطنهم، إلى تعديل أحد من الخلق لهم، فهم على هذه الصفة إلا أن يثبت
على أحد ارتكاب مالا يحتمل إلا قصد المعصية والخروج من باب التأويل، فيحكم بسقوط
العدالة، وقد برأهم الله من ذلك، ورفع أقدارهم عنده، على أنه لو لم يرد من الله عز
وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه، لأوجبت الحال التي كانوا عليها، من الهجرة
والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين
وقوة الإيمان واليقين، القطع على عدالتهم والاعتقاد بنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع
المعدلين، والمزكين الذين بجينون من بعدهم أبد الآبدين»(19).
*
ويقول ابن حبان: «فإن قال قائل: فكيف جرحتَ من بعد الصحابة وأبيتَ ذلك في الصحابة؟
والسهو والخطأ موجدوان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وجد فيمن بعدهم
من المحدثين يقال له: إن الله تبارك وتعالى نزه أقدار أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن ثلب قادح، وصان أقدارهم عن وقيعة منتقص، وجعلهم كالنجوم يقتدي بهم،
وقد قال الله تبارك وتعالى: ﴿إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ
لَلَّذِيْنَ اتَّبَعُوهُ وَهٰذا النَّبِيُّ وَالَّذِيْنَ آمَنُوْا وَاللهُ
وَلِيُّ المُوْمِنِيْنَ﴾ ثم قال: ﴿يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللهُ النَّبِي
وَالَّذِيْن آَمُنُوْا مَعَه﴾ فمن أخبر الله عزّ وجلّ أنه لايخزيه في يوم
القيامة، وقد شهد له باتباع ملة إبراهيم حنيفاً، لايجوز أن يجرح بالكذب؛ لأنه
يستحيل أن يقول الله تبارك وتعالى: ﴿يَوْم لاَ يُخْزِي اللهُ النَّبِيّ
وَالَّذِيْنَ آمَنُوْا مَعَه﴾ ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم «من كذب
عليّ متعمداً فَلْيَتَبَوَّأْ مقعده من النار» فيطلق النبي صلى الله عليه وسلم
إيجاب النار لمن أخبر الله عز وجل أنه لايخزيه في يوم القيامة، بل الخطاب في الخبر
وقع على من بعد الصحابة، وأما من شهد التنزيل وصحب الرسول صلى الله عليه وسلم
فالثلب لهم غير حلال، والقدح فيهم ضد الإيمان، والتنقص لأحدهم نفس النفاق، لأنهم
خبر الناس قرناً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم من لاينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى صلى الله عليه وسلم،
وأن من تولى رسول الله صلى الله عليه وسلم إيداعهم ما ولاه الله بيانه للناس لبالأحرى أن لايجرح؛ لأن رسول الله صلى الله
عليه وسلم لم يودع أصحابه الرسالة وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب، إلا وهم
عنده صادقون جائزو الشهادة، ولو لم يكونوا كذلك لم يأمرهم بتبليغ من بعدهم ما
شهدوا منه؛ لأنه لو كان كذلك لكان فيه قدح في الرسالة، وكفى بمن عدله رسول الله
صلى الله عليه وسلم شرفاً، وإن من بعد الصحابة ليسوا كذلك؛ لأن الصحابي إذا أدى
إلى من بعده، يحتمل أن يكون المبلغ إليه منافقاً أو مبتدعاً أو ضالاً ينقص من
الخبر أو يزيد فيه، ليضل به العالم من الناس، فمن أجله قد فرقنا بينهم وبين الصحابة
إذ صان الله عز وجل أقدار الصحابة عن البدع والضلال»(20).
*
ويقول السيد الشريف علي بن محمد الجرجاني (المتوفى 816هـ):
«المقصد
السابع أنه يجب تعظيم الصحابة كلهم والكف عن القدح فيهم، فإن الله عظمهم وأثنى عليهم
في غير موضع من كتابه (وذكر الآيات المنزلة في هذا الباب) ثم قال: والرسول صلى
الله عليه وسلم قد أحبهم وأثنى عليهم في
الأحاديث الكثيرة»(21).
الذين خالفوا جمهور
الأمة في عدالة الصحابة:
على
كل فإن الأمة الإسلامية أجمعت –
سلفاً وخلفاً –
على عدالة الصحابة، ولم يخالفها في ذلك إلا طوائف من المعتزلة(22)
والخوارج(23)، والشيعة الإمامية الذين لايعتد بهم؛ لأنهم أنكروا
القرآن، وقالوا بتحريفه(24) وأنكروا ختم النبوة من خلال اعتقادهم
«بالإمامة»التي تفوق عندهم النبوة(25) ولذلك قطع عدد من أعلام العلماء
المحققين بتكفيرهم(26).. وإلا بعض من الذين في قلوبهم مرض أو لهم غرض
من أهل السنة، أمثال: أبي رية، الذي قال: أوجب العلماء البحث عن رواج الحديث؛
لكنهم قد وقفوا دون عتبة الصحابة فلم يتجاوزوها، إذ اعتبروهم جميعاً عدولاً لايجوز
عليهم نقد، ولا يتجه إليهم تجريح، ومن قولهم في ذلك: «أن بساطهم قد طوي» ومن
العجيب أنهم يقفون هذا الموقف على حين أن الصحابة قد انتقد بعضهم بعضاً وكفر بعضهم
بعضاً»(27).
وقال وهو يتحدث عن موقف أهل السنة والجماعة
من الصحابة رضي الله عنهم: «ممن جعلوهم من الصحابة من لمز النبي صلى الله عليه
وسلم في الصدقات، ومنهم من آذاه وقال: ﴿هو أذن﴾ ومنهم من اتخذوا
مسجدًا ضراراً.. منهم الذين اعتذروا في غزوة تبوك، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً
وحلفوا للنبي، فقبل منهم علانيتهم، فنزل فيهم قوله تعالى: ﴿سَيَحْلفُوْن
بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ
جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.. وبحسبك أن تجد أن في
القرآن سورة تسمى سورة المنافقين»(28).
وقال:
«وإذا كان الجمهور على أن الصحابة كلهم عدول، ولم يقبلوا الجرح والتعديل فيهم كما
قبلوه في سائر الرواة، واعتبروهم جميعاً معصومين من الخطأ والسهو والنسيان، فإن
هناك كثيرًا من المحققين لم يأخذوا بهذه العدالة المطلقة لجميع الصحابة، وإنما
قالوا كما قال العلامة المقبلي إنها أغلبية لاعامة، وإنه يجوز عليهم ما يجوز على
غيرهم من الغلط والنسيان والسهو، بل والهوى، ويؤيدون رأيهم بأن الصحابة إن هو إلا
بشر يقع منهم كما يقع من غيرهم مما يرجع إلى الطبيعة البشرية، وأن سيدهم الذي
اصطفاه الله صلوات الله وسلامه عليه ﴿اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ
رِسَالَتَهُ﴾ قد قال: إنما أنا بشر أصيب وأخطىء، ويعززون حكمهم بمن كان
منهم في عهده صلوات الله عليه من المنافقين والكاذبين، وبأن كثيراً منهم قد ارتدوا
عن دينهم بعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى..»(29).
ثم ذكر عدة روايات منها رواية مسلم: «ليردن
علي ناس من أصحابي حتى إذا عرفتهم اختلجوا من دوني، فأقول: أصحابي، فيقول: لاتدري
ماذا أحدثوا بعدك»(30).
*
وأحمد أمين صاحب «فجر الإسلام» و«ضحى الإسلام» و«ظهر الإسلام» الذي قال:
«ويظهر
أن الصحابة أنفسهم في زمنهم كان يضع بعضهم بعضاً موضع النقد، وينزلون بعضاً منزلة
أسمى من بعض»(31).
والذي
أضار على الدكتور علي حسن عبد القادر –
عندما ثارت الضجة حوله في الأزهر الشريف فيما يتعلق بالإمام الزهري المتوفى عام
136هـ - بقوله: «إن الأزهر لايقبل الآراء العلمية الحرة، فخير طريقة لبث ما تراه
مناسباً من أقوال المستشرقين ألا تنسبها إليهم بصراحة، ولكن ادفعها إلى الأزهريين
على أنها بحث منك، وألبسها ثوباً رقيقاً لايزعجهم مسها، كما فعلت أنا في «فجر
الإسلام» و «ضحى الإسلام»(32).
*
وطه حسين صاحب «الشعر الجاهلي» الذي عمل طول حياته عميلاً وفياً لرجال التبشير،
والحضارة الغربية، يتغنى بآراء المستشرقين ويبثها في الشرق الإسلامي(33)
والذي كان لايكتب ولا يفكر إلا لغرض واحد يبتغي له وسائله وأسبابه بكل ما استطاع،
وهو توهين أمر الإسلام، وصدعه من مفاصله، وتفكيك العقد المحكمة التي يتماسك بها في
تاريخه، وناهيك به دائباً من هنا وهناك من أئينا إلى مكة..! (34) وكان
يرى أن القرآن –
ونعوذ بالله –
من وضع الذي جاء به لا من وحي ولا تنزيل ولا معجزة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم
رجل سياسي فلا نبوة ولا رسالة، وعمل على توهين أمر الأئمة من الصحابة فيمن بعدهم
وقاسهم في الإنسانية وأهوائها وشهواتها على قياس من نفسه وطباعه (35)
وقال في صراحة ووقاحة:
«نحن لانعرف من سعد ومن مالك ومن زيد مناة،
فأكبر الظن أنهم أشخاص أساطير، لم يوجدوا قط»(36).
وقال:
«ولا نرى في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مالم يكونوا يرون في أنفسهم فهم كانوا
يرون أنهم بشر، فيتعرضون لما يتعرض له غيرهم من الخطايا والآثام، وهم تقاذفوا
التهم الخطيرة، وكان منهم فريق تراموا بالكفر والفسوق، فقد روي أن عمار بن ياسر
كان يكفر عثمان ويستحل دمه، ويسميه نعثل، وروي أن ابن مسعود كان يستحل دم عثمان
أيام كان في الكوفة..»(37).
*
والأستاذ أبوالأعلى المودودي، الذي قال: «إن جميع صحابة رسول الله صلى الله عليه
وسلم مفترضوا الاحترام، ويظلم كثيراً من يحبط جميع خدماتهم من أجل خطأ منهم، ويوجه
الشتائم إليهم ناسياً مكانتهم».
ثم
قال: «ألا إنه ليس من الإفراط بمكان هين أن أحداً منهم إذا أتى خطأ نحاول أن نعتبر
ذلك اجتهاداً منهم مراعاة للصحابية، ولئن صارت أعمال العظماء الخاطئة اجتهاداً من
أجل عظمتهم، فبماذا عسى أن نمنع من بعدهم عن هذه «الاجتهادات».
وقال:
«إن القيام بالعمل الخاطئ عن قصد وعن خطة مدبرة لن يكون اجتهاداً».. ثم قال: إن
خطأ ما لايتشرف بمجرد شرف الصحبة، بل إن مرتبة الصحابي السامية تجعل هذا الخطأ
أبرز ما يكون»(38).
وقال:
«وهناك أمر أعجب من ذلك كله أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم كثيراً ما كانت
تغلبهم المناقص البشرية، فكان بعضهم بغمز بعضاً»(39).
واستدل
على «غمز بعضهم بعضاً» قائلاً: سمع ابن
عمر أن أبا هريرة لايستوجب الوتر، فقال: كذب أبوهريرة، وقالت عائشة في مناسبة، في
أنس وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما: كيف يدربان ما حديث رسول الله، إنهما كانا
يومئذ طفلين.. وسئل الحسن بن علي ذات مرة عن «شاهد ومشهود» ففسرها، قيل: إن ابن
عمر وابن الزبير يقولان كذا، قال: كذبا، وكذّب علي ذات مرة المغيرة بن شعبة، واتهم
عبادة بن الصامت وهو يبين مسألة مسعود بن أوس الأنصاري بالكذب على حين أنه كان من
الصحابة الذين شهدوا بدرًا»(40).
وقد قام المرحوم الدكتور مصطفى السباعي بالرد
على أبي ربة وأحمد أمين في كتابه العظيم «السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي»
بصورة مفصلة وعلى طريقة علمية(41) كما حاسبهما وصاحبهما: طه حسين
حساباً علميّاً دقيقاً، والدكتور محمد مصطفى الأعظمي في كتابه «منهج النقد عند
المحدثين، نشأته وتاريخه» وناقش أراءهم مناقشة علمية وفندها في ضوء الواقع
والحقائق(42) وحاسب المودودي في آرائه في الصحابة وفي القضايا
الإسلامية الأخرى مئآت من العلماء الراسخين في العلم، على رأسهم الشيخ أبوالحسن
الندوي والشيخ محمد منظور النعماني والأستاذ وحيد الدين خان صاحب «الإسلام يتحدى»
والمحدث زكريا بن يحيى الكاندهلوي والأستاذ محمد تقي العثماني الباكستاني والشيخ
محمد إسحاق السنديلوي والشيخ محمد ميان الديوبندي في كتب مستقلة أفردوها للرد
عليه.
خلاصة حججهم وتنفيدها:
وقد
لخص الدكتور محمد مصطفى الأعظمي حججهم في النقاط التالية:
أولاً:
الاعتقاد بعدالة كافة الصحابة هو قول الجمهور، وليس بقول المحققين.
ثانياً:
الاعتقاد بعدالة الصحابة يصطدم بما ورد في القرآن من «ذم الصحابة» لأن منهم
المنافقين والكذابين والذين كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت في
القرآن سورة باسم المنافقين.
ثالثاً:
أن الصحابة أنفسهم ما كانوا يرون أنهم أسمى من النقد والتجريح فقد كفر بعضهم بعضاً
وكذب بعضهم بعضاً، فكيف نرى فيهم ما لم يكونوا يرون في أنفسهم.
رابعاً: تصطدم هذه العقيدة بالطبائع البشرية،
إن هم إلا بشر يقع منهم ما يقع من غيرهم مما يرجع إلى الطبيعة البشرية من الخطأ
والنسيان والهوى وغير ذلك(43).
وخلاصة
مناقشته للنقطة الأولى أنه: «لاريب أن الاعتقاد بعدالة الصحابة كافة هو قول
الجمهور من أمثال الأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل، والمحدثين
كافةً كالبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذي وابن معين وابن المديني وأبي
زرعة وأبي حاتم وابن حبان وابن تيمية، وعلى وجه الاختصار: علماء أهل السنة
والجماعة كافة، وعليه سلف الأمة وجماهير الخلف، فإذا لم يكن هؤلاء من المحققين،
فمن يكون إذن؟»(44).
وقال:
«والذين خالفوا الجمهور ليست لهم حجة ثابتة»(45).
ثم
ساق آيات القرآن التي نزلت في عدالة الصحابة وتزكيتهم، وأشار إلى الأحاديث التي
وردت في الباب، كما سرد أقوال المحققين من العلماء.
وخلاصة
مناقشته للنقطة الثانية: «يقال في الرد عليهم: هناك سورة كذلك في القرآن باسم
«المؤمنون» والآيات الكثيرة الأخرى التي نزلت في مدحهم.
«ومن
ناحية ثانية فإن سورة «المنافقون» أو الآيات الأخرى نزلت في ذم المنافقين لا في ذم
الصحابة، ومن الذي يعد المنافقين من الصحابة؟ ومن الذي ذكر المنافقين ممن ألف في
الصحابة في كتابه بأنهم من الصحابة؟ هل ذكرهم البخاريٰ أو ابن مندة؟ أو ابن
عبد البر؟ أو ابن الأثير؟ أو ابن حجر؟(46).
ثم
قال: «ويمكن لقائل أن يقول: إن هؤلاء المنافقين، كانوا يتظاهرون بالإسلام، ولذلك
كانوا يُعْتَبَرُون مسلمين، وبما أنهم عاشوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقد
دخلوا في طبقة الصحابة، لأنهم أبطنوا نفاقهم، ولم يعرفه إلا النبي صلى الله عليه
وسلم»(47).
وأجاب عن هذا الاعتراض فأجاد: «إن المنافقين
كانوا معروفين للنبي صلى الله عليه وسلم كما كانوا معروفين لدى الصحابة بأعيانهم
وأوصافهم، لأن آيات القرآن الكريم بينت كل حركاتهم وسكناتهم حتى خلجات قلوبهم(48)..
وفي الواقع إذا كنا نحن لانسطيع الآن أن نعرف هؤلاء الأشخاص بأعيانهم، لأنهم ليسوا
أمامنا بأعيانهم، فقد كان يراهم الصحابة بأعينهم ويعرفونهم بأعيانهم بنور من
القرآن الكريم. ويوضح هذا المعنى حديث كعب بن مالك، وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا،
حيث قال: فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم
أحزنني أني لا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه النفاق أو رجلاً ممن عذر الله من
الضعفاء»(49). إذن مما لاشك فيه أن المنافقين كانوا معروفين، وكانوا
قلة ذليلة، تعيش في انعزال في جوها الخاص»(50).
وخلاصة ما قاله في مناقشة النقطة الثالثة:
«وليس هناك رواية واحدة صحيحة نجد فيها تكفير الصحابة بعضهم لبعض، وقد استعمل بعض
الأنصار حين التخاصم كلمة النفاق، وقال: أنت منافق، وكان هذا القول في سورة الغضب،
ولم يكن تهمة وُجِّهَت إلى المخاطب.
«وما
كان الصحابة يكذب بعضهم بعضاً، وأكثر الروايات التي وردت فيها هذه الكلمة غير
ثابتة.. وقد قال أنس بن مالك الأنصاري رضي الله عنه: «وما كان يكذب بعضنا بعضاً».
وأما قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في
تكذيب أبي الدرداء، عندما خطب فقال من أدرك الصبح فلا وتر له، فقالت: كذب أبو
الدرداء، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح فيوتر، فالكذب هنا بمعنى الخطأ،
ولايمكن أن يستقيم المعنى إذا أخذناه بالمفهوم المتبادر لكلمة الكذب؛ لأنه لامجال
لتكذيب أبي الدرداء حيث كان هذا رأيه أو فتواه، والآراء والفتاوى لاتكذب، ولكنها
تخطأ»(51).
وخلاصة
ما قاله في مناقشة النقطة الرابعة: «أما أن عدالة الصحابة تخالف الطبيعة البشرية،
لذلك لايمكن قبولها، فليس لهذا الادعاء سند من واقع الحياة؛ بل إنه يخالف الطبيعة البشرية
نفسها، لأن المدعين بهذا الرأي يتجاهلون تماماً أثر التربية في نفوس الناس،
وينكرون أثر الوازع الدني ومدى قدرته على تهذيب النفوس، والطبيعة البشرية ليست
شيئاً جامدًا محدودًا لايحيد، بل إننا نرى أن النفس البشرية عندما تتأثر بالإيمان
الصحيح وتتشرب عقيدة التوحيد فتسمو حتى تقترب من الملائكة وتتطهر من الرذائل كافة،
وعندما تتدنى وتتنجس فتدنو من الشيطان.
«ولا
يجوز قياس الصحابة على الآخرين أو بالعكس، إذ زكاهم الله سبحانه وتعالى واختارهم
لصحبة نبيه، ليؤدوا عنه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم(52).
وقد
يقول قائل: إن السهو والنسيان من طبيعة البشر، فإذا عدلنا الصحابة كافة فقد
رفعناهم عن منزلة البشر، ونزهناهم عن السهو والنسيان.
وكان
جواب الدكتور عن ذلك بما عصارته:
أولاً:
إن الصحابة بشر وهم معرضون كغيرهم للسهو والنسيان، ولا يعنى تعديلهم نفي إمكانية
السهو والنسيان عنهم.
ثانيا:
إنهم عاصرو النبي صلى الله عليه وسلم، وعاصروا الحوادث، ورأوها بأعينهم النبوية،
ولم تتوافر هذه الميزة لغيرهم، وبالرغم من هذا كانوا يتذاكرون فيما بينهم في مجلس
الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته كان يذاكر بعضم بعضاً، وكان يستذكر بعضهم
بنفسه كأنه يقرأ ورده من القرآن(53) زد على ذلك أنهم كانوا إذا رووا
الأحاديث احتاطوا لذلك، وإذا شكّوا في حديث تجنبوا الرواية، كما كان بعضهم يخوف
بعضاً من الزيادة والنقصان(54). وساق أمثلة عديدة لاحتياط الصحابة في
الرواية والتحديث(55).
ثم
قال: «أما من ناحية سهوهم ونسيانهم فلم يسلم النقاد للصحابة بكل شيء، بل كانوا إذا
وجدوا خطأ أو وهماً نبهوا عليه، فقد وهمت عائشة رضي الله عنها جماعة من الصحابة في
رواياتهم للحديث(56).
ثم
قال: «ويبدو من هذا جلياً أن عقيدة عدالة الصحابة لاتخالف الطبيعة البشرية، لأن
تربية النبي صلى الله عليه وسلم، قد أثرت فيهم من جهة، وهم بدورهم أخذوا
الاحتياطات كافة للتحديث من جهة أخرى، والذين ذهبوا إلى تعديلهم جميعاً بينوا
أخطاء الصحابة –
إن وجدت –
ورأوا أن ذلك لايؤثر في تعديلهم»(57).
اعتراضان
على عدالة الصحابة والرد عليهما:
بقي
هناك اعتراضان يوردهما أولئك الذين لايقولون بعدالة جميع الصحابة مطلقاً، الأولى:
أن بعضهم ارتكبوا الكبائر؛ فمنهم من قذف سيدتنا عائشة رضي الله عنها، وفسق القاذف
منصوص عليه في القرآن إن لم يوفر أربعة شهداء، فالذي ارتكب منهم القذف كان فاسقاً،
فقد عدالته، فكيف تقولون بعدالة جميع الصحابة.
والاعتراض الثاني يوردونه على عدالة الصحابة
بحديث الحوض في الآخرة وماجاء فيه من طرد بعض الناس، ورغم أن النبي صلى الله عليه
وسلم يقول: أصحابي! ولكنهم يجلون عن الحوض، ويقال له: لاتدري ما أحدثوا بعدك.
والرد
على الاعتراض الأول أن الله عز وجل فرض فيما يتعلق بالقاذف إذا لم يقم البينة على
قذفه، ثلاثة أمور:
1
–
أن يجلد ثمانين جلدة.
2
–
أن ترد شهادته أبداً.
3
–
أن يكون فاسقاً ليس بعدل.
ولكنه
تعالى قال إلى جانب ذلك: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ
يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا
تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلا
الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(58).
ورغم
أن العلماء اختلفوا في أن الاستثناء يعود إلى الجملة الأخيرة فقط، فلا ترفع التوبة
الفسق، ويبقى القاذف مردود الشهادة أبداً مهما تاب، أو يعود إلى الجملة الأخيرة
وإلى التي قبلها، فترفع التوبة الفسق، ويعود هو مقبول الشهادة.. لكن جمهور الفقهاء
ذهبوا إلى قبول شهادة القاذف بعد ما يتوب، ويؤيد ذلك تصرفات المحدثين، حيث إنهم
قبلوا رواية حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري شاعر رسول صلى الله عليه
وسلم(59). وحمنة بنت جحش الأسدية أخت زينب أم المؤمنين(60).
أما
فيما يتعلق بالاعتراض الثاني فهناك روايات عديدة، منها رواية ابن عباس رضي الله
عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تحشرون حفاة عراة غرلاً، ثم قرأ ﴿كَمَا
بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيْدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾
فأول من يكسى إبراهيم، ثم يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات الشمات، فأقول:
أصحابي، فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول: كما قال
العبد الصالح عيسى بن مريم: ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ
فِيهِمْ، فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتُ أَنْتَ الرقِيْبِ عَلَيْهِم، وَأَنْتَ
عَلى كُل شيء شَهِيدٍ، إنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ
لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيْزُ الْحَكِيْم﴾(61).
ومنها رواية أنس عن النبي صلى الله عليه
وسلم، قال: «ليردن علي ناس من أصحابي الحوض، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول:
أصحابي، فيقول: لاتدري ما أحدثوا بعدك»(62).
ومنها
رواية أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا ليذادن رجال عن حوضي،
كما يذاد البعير الضال، أناديهم ألا هلم، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك فأقول: سحقاً
سحقًا»(63).
وفي
رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: «يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي، فيجلون عن الحوض، فأقول: يارب، أصحابي!
فيقول: إنك لاعلم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري»(64).
والرد على ذلك أن ظاهر ألفاظ الحديث وإن كانت
تدل على أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يردون على النبي صلى الله عليه
وسلم على الحوض ولكنهم يطردون قبل أن يصلوا إليه صلى الله عليه وسلم لكن المراد من
ارتد عن الإسلام، كما جاء النص على ذلك في بعض الروايات، ومنها رواية أبي هريرة
رضي الله عنه الأخيرة: «أنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري».
قال
ابن حجر: «وقال النووي: هم المنافقون والمرتدون فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل،
لكونهم من جملة الأمة، فيناديهم من أحل السيما التي عليهم، فيقال: إنهم بدلوا بعدك
أي لم يموتوا على ظاهر ما فارقتهم عليه، قال عياض وغيره: وعلى هذا فيذهب عنهم
الغرة والتحجيل ويطفأ نورهم»(65).
وقال
محمد بن يوسف الفريري: ذكر عن أبي عبد الله عن قبيصة، قال: هم المرتدون الذي
ارتدوا على عهد أبي بكر، فقاتلهم أبوبكر رضي الله عنه(66).
أما
بالنسبة إلى المنافقين فإن هذا الرأي يوافقه كذلك ما جاء في القرآن الكريم: ﴿يَوْمَ
يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِيْنَ آمَنُوا انْظُرونَا نقتبس
من نُوركُم قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوْا نُورًا﴾(67).
قال
المفتي محمد شفيع رحمه الله: ولكن الحق عندي أن المراد من المرتدين هم الآخرين من
الأعراب الذين انجرفوا مع التيار الإسلامي، وقالوا بأفواهم: آمنا، ولكن الإسلام لم
يتأصل في قلوبهم، وقد تحدث عنهم القرآن فقال: ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمنا،
قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلٰكِن قُوْلُوا أسْلَمْنَا ولَمَا يدخل الإيمان في
قُلُوبِكُمْ﴾(68).
ويؤيد ذلك ما قاله الخطابي: «لم يرتد من
الصحابة أحد وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب، ممن لانصرة لهم في الدين، وذلك
لايوجب قدحاً في الصحابة المشهورين، ويدل قوله: أصيحابي –
بالتصغير – على قلة عددهم»(69).
ومهما
يكن من أمر فإن المراد من أصحابي أو أصيحابي سواء أكان المنافقون أو المرتدون، فإن
أحدًا من علماء الإسلام المحدثين لم يعتبر المنافقين أو المرتدين من الصحابة، إنما
الصحابي من لقى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً ومات علي الإسلام، ولو تخللت ردة
في الأصح، وصرح بذلك ابن حجر عند تعريفه بالصحابي(70).
ولقائل
أن يقول: إذا كان المراد من ارتد عن الإسلام أو المنافق، والمرتد، والمنافق ليس
صحابياً، فلماذا دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم: «أصحابي».
والجواب أن: الحكم في الإسلام على الظاهر،
ولذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم وصفهم مع التحذير والوعيد، بقوله: «رهط من
أصحابي» أو «رجال من أصحابي» أو «ناس من أصحابي» فسماهم الصحابة، وحكم بالظاهر(71).
* * *
الهوامش:
راجع «مقام الصحابة» (منزلة الصحابة) للعلامة
محمد شفيع الديوبندي الباكستاني، ص:62.
لسان العرب، ماد: عدل.
الطلاق: 2.
البقرة: 282.
تفسير الطبري (جامع البيان في تأويل القرآن)
ج:6، ص:22.
السنن الكبرى للبيهقي، ج1، ص:163.
انظر «منهج النقد عند المحدثين» للدكتور محمد
مصطفى الأعظمي أحد أبناء دارالعلوم ديوبند، وأستاذ كلية الشريعة بجامعة الملك سعود
– الرياض، ط: الرياض 1402هـ ، ص23، 24.
المستصفى، ج1، ص157.
انظر «إرشاد الفحول»ص:51.
شرح الكوكب المنير، ج2، ص384 و 385، وليراجع
للتفصيل «منهج النقد عند المحدثين» ص:24 و 25.
تدريب الراوي، ج1، ص:300 .. وانظر البحث المفصل
في العدل والعدالة في «منهج النقد عند المحدثين»ص 25-47.
أصول السرخسي 1/350-351.
رد المحتار، ص:523.
انظر «مقام الصحابة» ص:68.
رسالة الحافظ الذهبي في الرواة الثقات المتكلم
فيهم بما لايوجب ردهم، ص:4.
اختصار علوم الحديث، ص:220-222.
علوم الحديث، ص:264.
مقدمة الاستيعاب في معرفة الأصحاب تحت الإصابة
في تمييز الصحابة، ج1، ص:2.
المسابرة في العقائد المنجية في الآخرة، ص132،
ط: ديوبند (الهند).
الكفاية في معرفة علم الرواية، ص:48-49.
كتاب المجروحين من المحدثين لابن حبان 11 ب –
12 – أ (نقلاً عن منهج النقد عند المحدثين).
«شرح المواقف – أحد الكتب المعروفة في العقائد الإسلامية - المقصد السابع.
«فرق الشيعة» للنوبختي ، ص:13.
المصدر نفسه، ص:14.
انظر «فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب»
للحسين محمد تقي النوري الطبرسي ص327-339.
انظر «حياة القلوب»بالفارسية لباقر المجلسي،
ج3، ص:1-2، ط: إيران: وأقرأ كتاب «الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام» للشيخ محمد
منظور النعماني.
منهم القاضي عياض المالكي (م 544هـ) في كتابه
«الشفاء» انظر ج2، ص286، 289، 290.
أضواء على السنة المحمدية، ص:342.
هامش أضواء على السنة المحمدية، ص:353.
أضواء على السنة المحمدية، ص:354 و 355.
المصدر نفسه ، ص354.
فجر الإسلام، ص:216.
السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي للدكتور
مصطفى السباعي، ص238.
راجع للاطلاع على تفاصيل ذلك الكتاب القيم «تحت
راية القرآن» لمؤلفه مصطفى صادق الرافعي نابغة الأدب وأحد غياري العرب على الإسلام
(1880 1937م) ولاسيما ص 203-219.
تحت رأية القرآن، ص:207.
المصدر نفسه، ص:213.
الشعر الجاهلي، ص101، وانظر «تحت رأية
القرآن»ص215 و 216.
أضواء على السنة المحمدية، ص361، نقلاً عن طه
حسين.
انظر المقتطفات كلها في «خلافة وملوكية» لأبي
الأعلى المودودي باللغة الأردية، ص143. ط:
1966 – لاهور (باكستان)
تفهيمات لأبي الاعلى المودودي، باللغة الأردية،
ج1، ص:294، توزيع مكتبة «جماعة إسلامي» دارالإسلام – بتهان كوت (باكستان)
المصدر نفسه، وستعلم عما قريب في السطور الآتية
من خلال ما سنسوقه من مناقشة الدكتور محمد مصطفى الأعظمي لحجج الذين لايقولون
بالعدالة المطلقة للصحابة رضي الله عنهم أن أكثر الروايات التي وردت فيها كلمة
«الكذب التي ينسبها بعضهم لبعض في معارضتهم لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرآن
أو بطلب الشهود، إنما هي في معنى «الخطأ» وقد صرح ابن حجر أن أهل المدينة يستعملون
كلمة «الكذب» في معنى «الخطأ» (انظر أوجز المسالك إلى موطأ مالك ج2، ص:357.
وأكثرت أم المؤمنين سيدتنا عائشة رضي الله عنها
من القيام بمعارضة الروايات بالقرآن، حكمت من خلالها على الراوي بالخطأ والكذب،
وجمع الإمام بدر الدين الزركشي (المتوفى 794هـ) استدراكاتها واعتراضاتها على
الصحابة في كتاب مستقل، سماه «الإجابة لإيراد ما استدكته عائشة على الصحابة»قال
الدكتور الأعظمي: أما الأحاديث التي أوردها الإمام بدرالدين الزركشي، فالبعض منها غير
ثابت سنداً، والبعض الآخر كان في الواقع فتاوى بعض الصحابة خالفوا فيها الأحاديث
النبوية لعدم معرفتهم بها، فصححت فتواهم، وبعد هذا وذلك أيضاً تصفو عدة أحاديث
رواها الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم فأنكرت عليهم، إما معارضة بالقرآن، أو
مبينة الخطأ في الرواية حسب نظرتها، أو استعلمت الآيات القرآنية، وأضافت إليها
الرواية التي كانت ترى أنها صحيحة. (منهج النقد عند المحدثين، ص:77).
وبذلك تبين أن الصحابة لم يكذب بعضهم بعضاً،
والكذب الوارد في أمثال هذه الروايات إنما هو في معنى «الخطأ» وتبين أن الصحابة لم
يكذب بعضهم بعضاً مغلوباً بالنقائص البشرية.. وكيف وقد روى الحسن عن أنس بن مالك
أنه قال: «ليس كل ما نحدثكم عن رسول صلى الله عليه وسلم سمعناه منه، ولكن حدثنا
أصحابنا. ونحن قوم لا يكذب بعضهم بعضاً». (الكفاية في معرفة علم الرواية، ص:386).
وقال البراء بن عازب رضي الله عنه: «ليس كلنا
كان يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت لنا ضيعة وأشغال، ولكن الناس لم
يكونوا يكذبون يومئذ، فيحدث الشاهد
الغائب»، (المحدث الفاصل للرامهرمزي، ص:235).
ليراجع «السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي»
ص:236 و 374.
ليراجع للتفصيل «منهج النقد عند المحدثين»
ص:103-126.
منهج النقد عند المحدثين، ص:105.
المصدر نفسه، ص:105.
المصدر السابق، ص:106.
المصدر السابق، ص:110.
المصدر السابق، ص:110.
أقول اقرأوا مثلاً: الأحزاب 12 و 13، ومحمد 30،
المنافقون8، والتوبة 47 و48 ، 61و 62، 67، 75و 76،79، 81، 82، 96، 98، 127، 134 و
135.
صحيح البخاري، كتاب المغازي.
منهج النقد عند المحدثين، ص:110 و 111.
المصدر السابق، ص:121.
المصدر السابق، ص:123.
انظر تفصيل ذلك في كتاب «دراسات في الحديث
النبوي» للدكتور محمد مصطفى الأعظمي، ص:329-332.
منهج النقد عند المحدثين، ص:142.
المصدر السابق
وانظر ص:24 و 25.
المصدر السابق، ص:126.
المصدر نفسه، ص:126.
النور 4 و 5.
التقريب ، ج1، ص:161.
المصدر نفسه، ج2، ص:595.
صحيح البخاري.
صحيح البخاري، الرقاق.
رواه مسلم في صحيحه في الطهارة.
رواه البخاري في صحيحه في الرقاق.
فتح الباري، ج11، ص:324.
منهج النقد عند المحدثين، ص:119.
الحديد، الآية:13.
«مقام الصحابة» ص:47، الحجرات الآية 14.
فتح الباري، ج11، ص:324.
انظر «نزهة النظر» ص:57 و 58.
منهج النقد عند المحدثين، ص:120.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ربيع الأول 1433 هـ = فــــبرايـــر
2012م ، العدد : 3 ، السنة : 36